-A +A
عبدالله السلطان
منذ طرد الرومان لليهود من فلسطين عام 150 بعد الميلاد تقريبا، وما نتج عن ذلك من تشتتهم في دول العالم، فقد كانوا محط الكره والتشكك أينما وجدوا، خصوصا في دول غرب أوروبا، الأمر الذي أوصد الباب أمام توظيفهم من قبل حكوماتها. «ورب ضارة نافعة»، فقد اتجه اليهود للتجارة، ومن ذلك اكتشفوا مبكرا قيمة المال لشراء الذمم والضمائر والتأثير على سياسات الدول. وبرز من اليهود عائلة روتشيلد (Rothschild) التي بنت قوتها المالية وفرضت نفسها في عالم المال والإعلام والسياسة لتحقيق الأهداف اليهودية والصهيونية.
المؤسس الأول للعائلة يدعى إسحق إكانان، وروتشيلد تعني بالألماني Roth Schild، أي الدرع الأحمر الذي كان على باب قصره، فلقب به، ويأتي بعده في التأسيس ماير إمشيل روتشيلد (1743 ــ 1812م)، وكان ابنا لأحد التجار اليهود في فرانكفورت بألمانيا وتاجرا للعملات القديمة. ويذكر أن ماير روتشيلد كشف داخل بنك يملكه عام 1790م عن رغبته في السيطرة «على أموال الأمم». ولإحكام هذه السيطرة أوكل لأولاده (1821م) إدارة فروع لبنكه: أمسكيل (1773 ــ 1855م) في فرانكفورت بألمانيا، وسولومون (1774 ــ 1855م) في فيينا بالنمسا، وناثان (1777 ــ 1836م) في لندن ببريطانيا، وكارل (1788 ــ 1855م) في نابولي بإيطاليا، وجيمس (1792 ــ 1868م) في باريس بفرنسا. ويهدف ماير روتشيلد من تنظيم عائلته هكذا للسيطرة على أهم البلدان في العالم ــ آنذاك، فربط بين الفروع بتنظيم يسمح لتبادل المعلومات بينها ونقل الخبرات بين هذه الفروع لتحقيق أكبر ربح وأكثر فائدة، والفائدة التي يجنيها الجميع هي لفائدة الكل. وللاحتفاظ بمالهم، يتم تزاوج آل روتشيلد وأحفادهم من يهوديات حيث الديانة اليهودية تنتقل عن طريق الأم.

وفي الحرب البريطانية الفرنسية (معركة واترلو)، وقبيل انتصار القوات البريطانية، أشاع ناثان ماير روتشيلد في 15/6/1815م عن انتصار قوات نابليون، وهو يعلم العكس، فانهارت بورصة لندن فهبطت أسعار الأسهم فاشترت عائلة روتشيلد جميع الأسهم ثم باعتها بعد إعلان انتصار بريطانيا على فرنسا بأثمان مرتفعة. ويتفاخر ناثان روتشيلد بسيطرتهم على المال والثروة في بريطانيا وبنجاحهم في إخضاع السلطة الملكية لسلطة المال التي يمتلكونها.
تاريخيا، لم يعامل اليهود في بريطانيا بترحاب، فقد تم طردهم في الفترة بين 1290م وعام 1649م تقريبا، وذلك لأسباب دينية وسلوكية من خيانات وكذب وعمل كل ما من شأنه أن يجمع اليهود المال. لذلك فقد كان الرأي العام البريطاني متحفظا بشكل عدائي تجاه اليهود وضد قبولهم. ومنذ عام 1655م بدأ اليهود يتوافدون إلى بريطانيا، وخصوصا لندن، فتم التغاضي عنهم رغم المعارضة المستمرة للتجار الإنجليز ورجال الدين. لكن مع الوقت زادت قوة اليهود وزاد نفوذهم وتحسنت أوضاعهم، خصوصا مع بدايات القرن العشرين، حيث قوي تأثيرهم ونتج عنه وعد بلفور عام 1917م بتأسيس «وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين». كان الوعد هذا في خطاب وزير الخارجية البريطاني بلفور موجها إلى اللورد روتشيلد.
وفي فرنسا، قام جيمس ماير روتشيلد عام 1818م بالمضاربة على الخزانة الفرنسية، فأوشك الاقتصاد الفرنسي على الانهيار، فقدم جيمس المساعدة في هذا الأمر تجاوبا مع طلب الملك لويس الثالث عشر، لكن مقابل استيلاء جيمس روتشيلد على معظم احتياطات وسندات المصرف المركزي الفرنسي. وبعد أن جمعت عائلة روتشيلد الثروة المالية الهائلة في بريطانيا وفرنسا، اتجهت إلى أمريكا الشمالية طمعا في المزيد من التملك وجمع المال، حيث يمكن لليهود من خلاله السيطرة على الحكومات الغربية. فأسست عائلة روتشيلد فرعين لمصرفها في أمريكا، واحد تحت إدارة جيمس ماير روتشيلد، رئيس الفرع الفرنسي، والآخر تحت إدارة يونال روتشيلد. كما ركزت عائلة روتشيلد على الاستثمار في صناعة السكك الحديدية والسفن والأسلحة والأدوية، وشاركت في تأسيس خطوط امتداد الاستعمار البريطاني والهولندي والفرنسي، وعملت على إقراض بعض الدول الأوروبية لتمويل حروبها، كما دفعت المبالغ اللازمة لشراء بريطانيا أسهم قناة السويس عام 1875م. وروتشيلد لها شراكة في شركة الهند الشرقية وشركة الهند الغربية وغيرها من الشركات الاستعمارية.
ونظرا لحدوث مشاكل للمهاجرين اليهود في أوروبا الغربية، وبعد توقيع الدول الاستعمارية (لوثيقة كامبل) التي وافقت عليها الدول الاستعمارية في مؤتمر لندن (1905 ــ 1907م) المتضمنة (زرع جسم غريب يفصل بين شرق البحر الأبيض وشمال أفريقيا)، فقد تبنى آل روتشيلد قيام دولة يهودية في فلسطين لحل مشكلة اليهود في أوروبا وعملوا مع حكومة بريطانيا لتحقيق هذا الهدف، ومولت عائلة روتشيلد مشروعات الاستيطان في فلسطين وقدمت المعونات المختلفة التي رجحت ميزان القوى لصالح اليهود. وقد وجدت خريطة لإسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات في خزانة روتشيلد في فرانكفورت بألمانيا.
خلاصة القول هي إن عائلة روتشيلد من أكثر العائلات في العالم تأثيرا وغنى، فهي تملك كثيرا من البنوك والشركات العالمية الكبيرة، وتستثمر في مجالات تجارية متنوعة، بما في ذلك تجارة السلاح والحروب، وتسيطر على كثير من الحكومات في العالم، ولا تخلو لذلك أعمالها من ممارسة الخداع والألاعيب والضغوط والابتزاز والاستغلال، وهي تعتبر وراء قتل بعض رؤساء الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، والله أعلم.